فصل: بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ:

(الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِمَا، وَلِمَالِكٍ فِي الْفَرْضِ: «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ» وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ اسْتَجْمَعْت شَرَائِطَهَا لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ (فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فِيهَا فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ) لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي (وَمَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ (وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَتَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّوْا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ.
الشرح:
بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ».
قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ»، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: «وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ: «عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ».
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، ثُمَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ فَرُوِيَ عَنْهُ: «عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ»، وَرُوِيَ عَنْهُ: «عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ»، رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ: «عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَنَزَلَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، وَأَرْسَلَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِالْمِفْتَاحِ، فَفَتَحَ الْبَابَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبِلَالٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَأَمَرَ بِالْبَابِ، فَأُغْلِقَ، فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيًّا»، وَلِلْبُخَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَمَكَثُوا فِيهِ نَهَارًا طَوِيلًا، ثُمَّ فُتِحَ الْبَابُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَادَرْت الْبَابَ، فَتَلَقَّيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا، وَبِلَالٌ عَلَى إثْرِهِ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ، كَمْ صَلَّى»، انْتَهَى.
وَهَذَا الْمَتْنُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَأَخْرَجَا عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بِلَالٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي الْحَجِّ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ فِي بَابِ قَوْله تَعَالَى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَتَى ابْنُ عُمَرَ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْت وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْت بِلَالًا، فَقُلْت: أَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إذَا دَخَلْت، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: هَكَذَا قَالَ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ كَمْ صَلَّى، انْتَهَى.
الْمُعَارِضُ: أَخْرَجَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَفِيهَا سِتُّ سَوَارِي فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ، فَدَعَا، وَلَمْ يُصَلِّ»، انْتَهَى.
وَبِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ»، مُخْتَصَرٌ، وَحَدِيثُ أُسَامَةَ هَذَا رَوَى خِلَافَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، وَمَكَثْتُ مَعَهُ عُمْرًا لَمْ أَسْأَلْهُ كَمْ صَلَّى»، انْتَهَى.
وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ يُعَلَّلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، ثُمَّ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَوْ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي أَخِي الْفَضْلُ، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَهَا وَقَعَ سَاجِدًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو»، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ، مَنْ صَلَّى فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا خَلْفَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ، إلَى آخِرِهِ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: أَخَذَ النَّاسُ بِحَدِيثِ بِلَالٍ، لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الْمُثْبِتِ، وَمَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى، أَيْ دَعَا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ بِلَالٍ، وَرِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَتَانِ، وَوَجْهُهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَخَلَهَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَمْ يُصَلِّ، وَدَخَلَهَا مِنْ الْغَدِ، فَصَلَّى، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَهُوَ مِنْ فَرَائِدِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَبِلَالٌ خَلْفَهُ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ دَخَلَ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا، هَلْ صَلَّى؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، فَصَلَّى بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى بَيْنَ الْبَابِ، وَالْحَجَرِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ، ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَامَ يَدْعُو، ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ»، انْتَهَى.
وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُعَكِّرُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ إنْ صَحَّتَا، فَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ الْبَيْتَ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى مَرَّةً، وَتَرَك مَرَّةً، إلَّا أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْحَدِيثَيْنِ نَظَرًا، انْتَهَى.
قُلْت: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فِي الْحَجِّ، وَدَخَلَهُ عَامَ الْفَتْحِ»، وَلَفْظُ إِسْحَاقَ: «يَوْمَ الْفَتْحِ يَمْحُو صُوَرًا فِيهِ، فَلَمَّا دَخَلَهُ أَمَرَ بِالصُّوَرِ، فَمُحِيَتْ»، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: «فَلَمَّا نَزَلَ، صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ، مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ»، انْتَهَى.
وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ، وَفِيهِ الْآلِهَةُ، وَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهِمَا قَطُّ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ»، انْتَهَى.
فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ يَوْمَ الْفَتْحِ، لِأَنَّ إخْرَاجَ الصُّوَرِ مِنْ الْبَيْتِ إنَّمَا كَانَ زَمَنَ الْفَتْحِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عَامَ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ خَبَرِ بِلَالٍ، وَخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى يَوْمِ الْفَتْحِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
انْتَهَى.
وهَذَا يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فِي الْحَجِّ».
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: «قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَفْظُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: «لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قُلْت: لَأَلْبَسَنَّ ثِيَابِي، فَلَأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ الْيَوْمَ، فَانْطَلَقْت، فَوَافَيْته قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، فَقُلْت لِعُمَرَ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ فِيهِ مَقَالٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقَدْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ افْتَتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنُونَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَعِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ، فَرَكَعَ» انْتَهَى.
(وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ عِنْدَنَا، دُونَ الْبِنَاءِ، لِأَنَّهُ يُنْقَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْمَسَاجِدِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَفِي الْحَمَّامِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهُ، وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ: مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، انْتَهَى.
وَزَيْدُ بْنُ جَبِيرَةَ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى ضَعْفِهِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: زَيْدُ بْنُ جَبِيرَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، فَاسْتَحَقَّ التَّنَكُّبَ عَنْ رِوَايَتِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ وَالْمَقْبَرَةُ وَالْمَزْبَلَةُ وَالْمَجْزَرَةُ وَالْحَمَّامُ وَعَطَنُ الْإِبِلِ وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ»، انْتَهَى.
وَهَذِهِ الطَّرِيقُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعِلَّتُهُ أَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، فَإِنَّهُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ بِهِ، وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ جَبِيرَةَ، فَقَالَ: الْإِسْنَادَانِ وَاهِيَانِ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، فَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ آخَرُونَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ، فَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ يَحْيَى، فَأَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، فَأَسْنَدَهُ مَرَّةً، وَأَرْسَلَهُ أُخْرَى، وَكَانَ عَامَّةُ رِوَايَتِهِ الْإِرْسَالَ، وَكَانَتْ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ أَثْبَتَ وَأَصَحَّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مُسْنَدًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَحَاصِلُ مَا أُعِلَّ بِهِ الْإِرْسَالُ، وَإِذَا كَانَ الرَّافِعُ ثِقَةً، فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبٌ، وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِقَوْلِ الْحَاكِمِ: أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهُمْ أَتْقَنُ فِي هَذَا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُصَحَّحُ أَسَانِيدُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِاضْطِرَابِهِ، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَيِّبَةً، طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي»، وَفِيهِ «وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ كَافَّةً»، وَفِيهِ: «وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي»، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ»، وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ يَسَارِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَّلَنِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ قَالَ: أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ، بِأَرْبَعٍ: أَرْسَلَنِي إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَجَعَلَ لِي الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ الصَّلَاةُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ»، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تَصِحُّ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عِلَاجٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ، صُمَّتَا، إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثًا»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عِلَاجٍ هَذَا يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، لَا يَشُكُّ السَّامِعُ لَهَا أَنَّهَا صَنْعَتُهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا حَدَّثَ بِهِ نَافِعٌ، وَلَا رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ، حَدَّثَ بِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ، انْتَهَى.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زُفَرَ عَنْ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوُهُ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَاشِمٌ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ زَيْدٍ الدِّمَشْقِيَّ، فَذَاكَ يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ، انْتَهَى.
وَقَدْ يُقَالُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ نَفْيُ الصِّحَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: «صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ، فَصَلَّيْنَا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبُو دَاوُد ثَنَا هَارُونُ أَبُو مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا نُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ، وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: هَكَذَا وَجَدْت، هَارُونَ أَبُو مَسْلَمَةً، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هَارُونُ بْنُ مَسْلَمَةً، رَوَى عَنْ قَتَادَةَ، سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: شَيْخٌ مَجْهُولٌ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ، هَلْ هُوَ هَذَا، أَمْ لَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ إسْنَادُهُمَا صَحِيحَانِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ السَّارِيَةَ تَحُولُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً لَمْ يُجَاوِزْ مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى»، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. انْتَهَى كَلَامُهُ.